لا أعرف لماذا أجد نفسي مدفوعا بالاعتراف بهذه الحقيقة : كلما مــرَّت الأيام كلما ازدادت صورة المغرب في مخيلتي بؤسا و سوادا ، أمــضي أحيانا مع نفسي متسائلا : أليس حقا ما نحمله من صور تمثِّـل انعكاسات لاشعورية لحالات الفشل و الإحباط التي نعاني منها ؟ فأسارع بالرد على نفسي : و لِــمَ ليسَ لديَّ الحق في الحكم انطلاقا من إحساساتي و إحباطي الناجم من سوء الوضع الموضوعي و ما يحويه من تناقضات فــجَّـة ؟ كيف نُــجيز لأنفسنا الفصل بين الذات و الموضوع مع أننا لسنا إلا تعبيرات لهذا الواقع المر الذي حُــنِّــطنا به ؟ ما الذي جعل نفسية العديد منا تُــصاب بالتشاؤم المرير حينما يُــذكر لفظ المغرب على مسامعنا ؟ لكن في المقابل ألا تــرى مبالغات في رسم صورة قاتمة لمغرب الحداثة ، مغرب المفهوم الجديد للسلطة ، مغرب الديمقراطية، مغرب الأوراش الكبرى و المبادرات الجمَّــة ..؟ لِــمَ لا نســلِّــم مع الإعلام الرسمي بما نعيشه من أجــواء الانتقال الديمقراطي و زمن طــي صفحة الماضي و نــكُــف عن الثرثرة التشائمية التي لا تقدم و لا تأخر ثم نــنطلق مسرعين في الإسهام في التنمية الوطنية و نُـبــدِعَ و نخــلقَ مشروعا يدمجنا في عجلــة النهوض الاقتصادي ؟ مــهلاً مهلاً لــكن عن أيّــة عجلة تتحدَّث و نحن الدليل على ما فعَلَــته بنا عجلة البطالة و طاحون البطالة ؟
عن أية ثرثرة تشائمية تتحدث وقــد حوَّلــنا الواقع المر إلى مُــحــنَّكين و عارفين بطبيعة الأزمة المستفحلة في بلدنا و جعلتنا نُــدرِك بالملموس أن مغرب الزبونيات و التوظيفات العُـكَّـاظية و الملاحقات البوليسية للمعطَّـلين تُــمثل شواهــد عينية على تغذية التشاؤم و الإحباط . ما الذي يجعل الإنسان المعطَّــل مثلا ساخطا غيرَ سياسة الدولة في التعاطي مع المطالب الحقوقية العادلة ؟ مــا الذي يمنع المعطل من حمل كُــره الدولة بعدما طوانا الزمن و أنهــينا مسارنا الدراسي بشق الأنفس عبر سلسلة جهيدة من التحديات ثــمَّ تمّ تتويجنا إلى الشارع لنحترف في صناعة صورة سوداء للمغرب نُــقـدِّمها للناس كنتاج لتأملاتنا ! لا نستطيع أن نـفهم لماذا الدولة تُـــربي أبناءها على كُـرهها ؟ ثم تراهم يخرجون على المنابر الإعلامية ليرموا الكرة في ملاعبنا : أنتم عدميون لا تؤمنون بأننا في زمن الانتقال الديمقراطي و إنكم لا تقومون بما يلزم لدمجكم في سوق الشغل و قــد قدمنا لكم قروضا مالية للاستثمار الذاتي ، إنكم أبَـيـتم و تتحملون المسؤولية ! حقاً إنه من السهل التناد بالألفاظ البراقة و حقا كذلك أن حجب الواقع بتلك الألفاظ مُــحال
و أنت أيها الإسكافي البسيط ما حملكَ أن تعيب دولتك ؟ أعيب ! تعبٌ و نصبٌ و لقمة عيش بالكاد وسط لهيب أسعار و لا أعيب !
و أنت أيها العامل في شركات التنظيف و الأمن ؟ ما بك مكــفهرّ الوجه غير راض؟ مــسَّني نصب و استغلال مجحف و عملي بلا قانون يضمنني و إهانات مستديمة ثم تتويج بدراهم لم تبلغ الحد الأدنى للأجور ثــم لا أعيب !
و أنتم يا معشر الأجراء ؟ مغلوبون على أمرنا مقهورين بالرواتب الزهيدة و الأسعار الحادة ذات قرون ولا نرى لنا أملا في حياة كريمة
و أنتم يا دكاكرة الدولة ؟ أصبحنا دكاكين الدولة وظيفتها بيع المناصب بالمزاد العلني ، بدلَ أن ننال حِــصَّتنا من الشغل نِــلنا حصصا في القمع و تكسير العظام ، هؤلاء رجال الدولة و حراسها فكيف لا نــرى سوادا على سواد ؟!
عفوا عفوا سادتي فأنتم جميعا عدميون لا تؤمنون بالحوار مع الدولة و لا بمجهوداتها في دمقرطــة الحياة الاجتماعية و تخليقها ، أنتم سِلبيون لأنكم تتجاهلون مستوى ما وصلنا إليه من حقوق مدنية و مؤسسات نزيهة و تعليم حــر و أوراش كبرى و مشاريع في طور الإنجاز ، باختصار يا سادة إنكم لا تؤمنون إلا بلوني الأبيض و الأسود و إنكم لا تريدون أن تنخرطوا في المسار الحداثي الذي لا بديل عنه ، و لذلك أنتك لا تجيدون إلا لغة التشاؤم و نقد الدولة !
و أنتم يا من تقطعون البحار و الفيافي أملا في سواحـل أوروبا ، ألَــم تسمعوا قــط بمسلسل إعادة الإعمار و تأهيل الساكنة و إعداد برامج تنموية في إطار فك العزلة عن المنطقة ؟ سبحان الله ! حــقا إنكم ظواهــر صوتية لا تتقن إلا فن الكلام المنحوت ، من يستمع إلـى كــل هذا القاموس يحسَــبُ كما لو أنه يعيش في دولة أفلاطون في المدينة الفاضلة و يحسب كما لو أنه في نعيم لا ينضب ، تأهيل الساكنة ،برامج تنموية ، فك العزلة ، تأميم البنية التحتية ... و ما هي إلا أسماء سميتموها لتسكين الساكنة ، فـلـِمَ لا تودُّون أن نُـــسمعكم حجم مذلتنا و آلامنا الغائرة منذ قرون خلت و لِـــنُــطلعكم على ما فعلتم ببلدنا من خراب مستديم حتى جعلتم ساكنتها تلهث وراء سراب سواحل أوروبا عبر قوارب الموت ؟ لِـــمَ لا تُــعيروننا أسماعكم و تكــفُّــوا عن تلك الأسطوانة الخشبية فتنزلــوا إلــى واقعنا المرير حيث البــؤس يمشي على رجليه ؟ مــهلا مهلا سادتي فقد أثبتت الأيام بالواقع المُــعاش أنكم لــم تطبقوا برامج ثرثرتكم و لم ترفعوا العزلة عنا و لم تُـــعــمِّــروا البنايات التي أطاحها زلزال الحسيمة و لم تفعلوا إلا نــهب أموال المساعدات الدولية ، فآتونا بما صنعتم على الأرض بعيدا عن السفسطة .
يـــا قوم ، ما الذي يجعلكم تكرهون المغرب ؟ أهيَ سياساته الخارجية و الداخلية أهي في طبيعة الحكومة أهي في الملفات الحقوقية أهي في البطالة المستفحلة أم في نسبة المُعطَّــلين حاملوا الشواهد العليا ؟ هــل حقــا يمكن للإنسان ، أيّ إنسان ، أن يكرهَ دولتــه بسبب هذه الاعتبارات فتجعله بلا مواطنة و حس وطني ؟ لــــكــن في المقابل ما الذي يجعل المواطن مواطنا بدون تلك المطالب ؟ هل بإمكاننا أن نتحـــدث عن واجبات بلا حقوق ؟ تـــأكــلُ رزقي ثـــم تقول لي أطِعنـــي ؟ أظــــلُّ عشرون سنة في البحث العلمي الجامعي ثم تقذفني إلى الشارع حيث بداية الصفر؟ أمعقول أن أطالب بــحِــصَّــتي في الشغل ثم تُـــكافئني بحصص من الهراوات بين أنظار الناس و بأسلوب الوحوش ؟ هــل هذا معقــول يا ســادة أجيبونــي
samedi 16 août 2008
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire